في سياق مهني يتسم بالمنافسة الشديدة وتغير معايير التوظيف والترقي، تزداد أهمية السمعة المهنية كعامل حاسم في بناء المسار المهني للأفراد داخل سوق الشغل المغربية. سواء في القطاع الخاص أو العام، باتت الصورة المهنية والموثوقية الشخصية مقياسًا ضمنيًا لتقييم الكفاءات، يتجاوز أحيانًا الشواهد الأكاديمية والخبرة التقنية.
ويؤكد خبراء في التنمية الذاتية وعالم الأعمال أن بناء سمعة مهنية إيجابية يبدأ من الالتزام بالمهنية، واحترام المواعيد، وجودة الأداء، مرورا بمهارات التواصل الفعال، وانتهاء بالاستقامة والشفافية في التعاملات اليومية. في المغرب، حيث تلعب العلاقات الشخصية والدوائر الاجتماعية دورًا مهمًا، فإن الثقة تظل رأس المال الأهم في تقدم أي ممارس مهني.
وترتبط السمعة الجيدة أيضًا بمدى قابلية الشخص لتحمل المسؤولية، والانفتاح على النقد، والاستمرار في التعلم والتكوين الذاتي. وقد أظهرت دراسة حديثة لمؤسسة “العمل والمجتمع” في الدار البيضاء أن أكثر من 60% من أصحاب الشركات الناشئة يفضلون توظيف أشخاص “يحظون بتوصية مهنية جيدة” على آخرين يمتلكون مؤهلات أكاديمية فقط.
وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد في تشكيل السمعة المهنية للأفراد، خاصة في قطاعات الإعلام، ريادة الأعمال، التسويق، والمجتمع المدني. إذ صار الحضور الرقمي المهني، ومحتوى المنشورات، وطريقة التفاعل، من المؤشرات التي يعتمد عليها المتابعون أو الزبناء المحتملون للحكم على مصداقية الفرد أو المؤسسة.
في المقابل، فإن أي سلوك غير مهني، مثل التهاون، الانفعال في أماكن العمل، أو نشر محتوى سلبي على المنصات الرقمية، يمكن أن يضر بالسمعة بشكل سريع وواسع، خاصة في بيئة مهنية ما تزال تعتمد على “الكلمة المتداولة” كوسيلة للحكم على الأشخاص.
وترى المدربة في التواصل المؤسساتي، ليلى أ.، أن بناء السمعة المهنية في المغرب لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل هو مسار طويل يتطلب الصبر والاستمرارية. وتضيف: “السوق المغربي صغير نسبيًا، والسمعة تنتقل بسرعة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لذلك يجب التفكير دائمًا في أثر كل سلوك أو قرار على صورتنا المهنية”.
ويُجمع عدد من المهنيين المغاربة على أن تطور السمعة المهنية يحتاج إلى وعي بالبيئة الثقافية والاجتماعية، والقدرة على احترام الخصوصيات المحلية، والاندماج في شبكات مهنية بناءة، دون السقوط في التملق أو المجاملة غير المنتجة.
وبينما تشهد قطاعات مثل الإعلام، التكنولوجيا، التعليم، والمقاولة الناشئة تحولات متسارعة، تظل السمعة المهنية واحدة من الثوابت التي تقرر مستقبل الأفراد والمؤسسات، وتؤثر مباشرة في فرص التعاون والنجاح، في زمن لم يعد فيه التميز التقني كافيًا وحده للنجاح.
المصدر : فاس نيوز ميديا