شهد حي زواغة العليا بمدينة فاس، مؤخراً، تدخل السلطات المحلية مدعومة بالقوات المساعدة لنقل مريضة نفسياً كانت تعيش في ظروف صعبة داخل مسكنها المتواضع الأرضي، والذي تحول إلى مخزن للنفايات والمخلفات، ما كان يسبب أضراراً للساكنة المجاورة والمارة.

وقد تم نقل المريضة إلى مستشفى ابن الحسن للطب النفسي والعقلي بفاس، حيث تدخلت بعدها شركة النظافة المفوض لها تدبير قطاع النظافة بالمدينة لرفع النفايات المتراكمة. غير أن الساكنة فوجئت بعد ساعات قليلة بعودة السيدة المسنة إلى مسكنها، وسط تساؤلات حول أسباب عدم تمكينها من الاستفادة من سرير بالمستشفى، خاصة أن المعلومات تشير إلى أن المستشفيات العمومية المغربية المتخصصة في الطب النفسي تواجه إكراهات كبيرة في الجاهزية والطاقة الاستيعابية.

تشير الإحصائيات إلى أن المغرب يضم حوالي 2320 سريراً مخصصاً للصحة النفسية والعقلية، وهو عدد محدود جداً مقارنة بالحاجة المتزايدة، حيث يعاني حوالي 40% من المغاربة فوق سن 15 عاماً من اضطرابات نفسية. هذا النقص يؤدي إلى اكتظاظ المستشفيات، ويجعل بعضها يشبه “السجون” في بعض الأحيان، مما يدفع الأسر إلى الاحتفاظ بأفرادها المرضى في المنازل.
أما من حيث الموارد البشرية، فهناك فقط 319 طبيباً متخصصاً في الطب النفسي في القطاع العام، و62 طبيباً مختصاً في طب نفس الأطفال، وهو معدل أقل بكثير من المعايير الدولية التي توصي بوجود 3.66 طبيباً لكل 100 ألف نسمة، في حين يبلغ المعدل في المغرب 0.63 فقط. كما يوجد 220 متخصصاً في الطب النفسي و1400 ممرضاً.
وتعاني المستشفيات من نقص في المعدات الحديثة، وبنية تحتية متدهورة، مما يؤثر سلباً على جودة الرعاية. كما أن الميزانية المخصصة لبرامج الوقاية من الأمراض النفسية تبلغ حوالي 90 مليون درهم (6% من ميزانية الأدوية)، وهو مبلغ غير كافٍ لتغطية الاحتياجات.
أما التشريعات المتعلقة بالصحة النفسية فلا تزال تعتمد على قانون قديم يعود إلى 1959، في حين ينتظر القانون الجديد (رقم 71.13) منذ عام 2016، ما يعيق تطوير القطاع وتحسين حقوق المرضى.
وأطلقت الحكومة المغربية استراتيجية وطنية للصحة النفسية والعقلية في أبريل 2025، مع تخصيص 123 منصباً مالياً لتعزيز الموارد البشرية، من بينها 34 طبيباً نفسياً و89 ممرضاً متخصصاً، إضافة إلى خطة استراتيجية تمتد حتى 2030 تهدف إلى تعميم خدمات الصحة النفسية داخل المستشفيات العمومية وتطوير وحدات متخصصة.
كما تم افتتاح مستشفى جديد في تيط مليل وتجهيز المستشفيات القائمة بمعدات حديثة، إلا أن نقص الأطر الطبية والمرافق لا يزال يمثل تحدياً كبيراً.
تُظهر حالة المريضة في حي زواغة العليا بفاس، التي أعيدت إلى مسكنها رغم تدخل السلطات، واقعاً صعباً يعيشه قطاع الصحة النفسية بالمغرب، حيث تتداخل الإكراهات البنيوية، ونقص الموارد البشرية، والميزانية المحدودة، مع تشريعات قديمة لا تواكب التطورات. ورغم الجهود الحكومية المبذولة لتحسين الوضع، فإن الحاجة المتزايدة للخدمات النفسية تتطلب المزيد من الدعم والتدخلات العاجلة لضمان حق المرضى في الرعاية اللائقة والكرامة الإنسانية.
عن موقع: فاس نيوز